فصل: (فَصْلٌ): تَحْرِيم صَيْدِ الْمَدِينَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(بَابُ صَيْدِ الْحَرَمَيْنِ وَنَبْتِهِمَا):

أَيْ: حَرَمِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ (يَحْرُمُ صَيْدُ حَرَمِ مَكَّةَ عَلَى الْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ) إجْمَاعًا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا أَنَّهُ «قَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهَا إلَّا مَنْ عَرَّفَهَا فَقَالَ الْعَبَّاسُ إلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ قَالَ إلَّا الْإِذْخِرَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَكَّةَ كَانَتْ حَرَامًا قَبْلَ إبْرَاهِيمَ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَقِيلَ: إنَّمَا حُرِّمَتْ بِسُؤَالِ إبْرَاهِيمَ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ «أَنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَهَا» أَيْ: أَظْهَرَ تَحْرِيمَهَا (فَمَنْ أَتْلَفَ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ صَيْدٍ حَرَمِ مَكَّةَ (شَيْئًا وَلَوْ كَانَ الْمُتْلِفُ كَافِرًا أَوْ صَغِيرًا أَوْ عَبْدًا)؛ لِأَنَّ ضَمَانَهُ كَالْمَالِ وَهُمْ يَضْمَنُونَهُ (فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُحْرِمِ فِي مِثْلِهِ).
نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَصَيْدِ الْإِحْرَامِ، وَلِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّحْرِيمِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْجَزَاءِ فَإِنْ كَانَ الصَّيْدُ مِثْلِيًّا ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ وَإِلَّا فَبِقِيمَتِهِ (وَلَا يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ) بِقَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ (جَزَاءَانِ) نَصَّ عَلَيْهِ لِعُمُومِ الْآيَةِ (وَحُكْمُ صَيْدِهِ) أَيْ: حَرَمِ مَكَّةَ (حُكْمُ صَيْدِ الْإِحْرَامِ مُطْلَقًا) أَيْ: فِي التَّحْرِيم وَوُجُوبِ الْجَزَاءِ لِلصَّوْمِ وَتَمَلُّكِهِ وَضَمَانِهِ بِالدَّلَالَةِ وَنَحْوِهَا سَوَاءٌ كَانَ الدَّالُّ فِي الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ.
وَقَالَ الْقَاضِي لَا جَزَاءَ عَلَى الدَّالِّ إذَا كَانَ فِي الْحِلِّ وَالْجَزَاءُ عَلَى الْمَدْلُولِ فَكُلُّ مَا يُضْمَنُ فِي الْإِحْرَام يُضْمَنُ فِي الْحَرَمِ (إلَّا الْقَمْلَ فَإِنَّهُ لَا يُضْمَن) فِي الْحَرَمِ (وَلَا يُكْرَهُ قَتْلُهُ فِيهِ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ حُرِّمَ فِي حَقّ الْمُحْرِم لِأَجْلِ التَّرَفُّهُ وَهُوَ مُبَاحٌ فِي الْحَرَمِ كَالطِّيبِ وَنَحْوِهِ.
(وَإِنْ رَمَى الْحَلَالُ مِنْ الْحِلِّ صَيْدًا فِي الْحَرَم) كُلَّهُ (أَوْ بَعْضَ قَوَائِمِهِ فِيهِ) أَيْ: الْحَرَمِ ضَمِنَهُ وَكَذَا إنْ كَانَ جُزْءٌ مِنْهُ فِيهِ غَيْرَ قَوَائِمِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ فَإِنْ كَانَتْ قَوَائِمُهُ الْأَرْبَعُ بِالْحِلِّ وَهُوَ قَائِمٌ وَرَأْسُهُ أَوْ ذَنَبُهُ بِالْحَرَمِ لَمْ يَكُنْ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ كَالشَّجَرَةِ إذَا كَانَتْ بِالْحِلِّ وَأَغْصَانُهَا بِالْحَرَمِ (أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى صَيْدِ الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ ضَمِنَهُ (أَوْ قَتَلَ صَيْدًا عَلَى غُصْنٍ فِي الْحَرَمِ أَصْلُهُ) أَيْ: الْغُصْنِ (فِي الْحِلِّ) ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ (أَوْ أَمْسَكَ طَائِرًا فِي الْحِلِّ فَهَلَكَ فِرَاخُهُ) وَكَذَا لَوْ أَمْسَكَ وَحْشًا فَهَلَكَ أَوْلَادُهُ (فِي الْحَرَمِ ضَمِنَهُ) أَيْ: الْمَذْكُورَ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ووَسَلَّمَ «لَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا» وَقَدْ اجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ صَيْدِ الْحَرَمِ وَهَذَا مِنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ صَيْدًا حَرَمِيًّا فَضَمِنَهُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْحَرَم وَ(لَا) يَضْمَنُ (أُمَّهُ)؛ لِأَنَّهَا مِنْ صَيْدِ الْحِلِّ وَهُوَ حَلَالٌ.
(وَلَوْ رَمَى الْحَلَالُ صَيْدًا ثُمَّ أَحْرَمَ قَبْل أَنْ يُصِيبَهُ ضَمِنَهُ) اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْإِصَابَةِ.
(وَلَوْ رَمَى الْمُحْرِمُ صَيْدًا ثُمَّ حَلَّ قَبْلَ الْإِصَابَةِ لَمْ يَضْمَنْ) الصَّيْدَ (اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْإِصَابَةِ).
(وَإِنْ قَتَلَ) الْحَلَالُ (مِنْ الْحَرَمِ صَيْدًا فِي الْحِلِّ بِسَهْمِهِ أَوْ كَلْبِهِ) فَلَا جَزَاءَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ فَلَيْسَ مَعْصُومًا (أَوْ) قَتَلَ (صَيْدًا عَلَى غُصْنٍ فِي الْحِلِّ أَصْلُهُ فِي الْحَرَمِ) فَلَا جَزَاءَ فِيهِ لِتَبَعِيَّةِ الْهَوَاءِ لِلْقَرَارِ وَقَرَارُهُ حِلٌّ فَلَا يَكُونُ صَيْدُهُ مَعْصُومًا.
(أَوْ أَمْسَكَ حَمَامَةً) مَثَلًا (فِي الْحَرَمِ فَهَلَكَ فِرَاخُهَا فِي الْحِلِّ لَمْ يَضْمَنْ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ وَلَيْسَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ فَلَيْسَ بِمَعْصُومٍ.
(وَإِنْ كَانَ الصَّيْدُ وَالصَّائِدُ) لَهُ (فِي الْحِلِّ فَرَمَاهُ بِسَهْمِهِ أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَيْهِ) فِي الْحِلِّ (فَدَخَلَ الْحَرَمَ ثُمَّ خَرَجَ فَقَتَلَهُ فِي الْحِلِّ فَلَا جَزَاءَ فِيهِ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَمِيٍّ.
(وَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ مِنْ الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فَقَتَلَهُ أَوْ غَيْرَهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِسَهْمِهِ بِأَنْ شَطَحَ السَّهْمُ فَدَخَلَ الْحَرَمَ لَمْ يَضْمَنْ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْهُ عَلَى صَيْدِ الْحَرَمِ بَلْ دَخَلَ بِاخْتِيَارِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ وَكَذَا شُطُوحُ السَّهْمِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ.
(وَلَا يُؤْكَلُ) صَيْدٌ وُجِدَ سَبَبُ مَوْتِهِ بِالْحَرَمِ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ (كَمَا لَوْ ضَمِنَهُ).
(وَلَوْ جَرَحَ) مُحِلٌّ مِنْ (الْحِلِّ صَيْدًا أَيْ: الْحِلِّ فَمَاتَ) الصَّيْدُ (فِي الْحَرَمِ حَلَّ وَلَمْ يَضْمَنْ)؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ وُجِدَتْ بِالْحِلِّ.

.(فَصْلٌ): حكم شَجَرِ الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ:

(وَيَحْرُمُ قَطْعُ شَجَرِ الْحَرَمِ) الْمَكِّيِّ (حَتَّى مَا فِيهِ مَضَرَّةٌ كَشَوْكٍ وَعَوْسَجٍ) وَالْعَوْسَجُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ: وَالسِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ ذُو شَوْكٍ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا» وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا لَا يَحْرُمُ مَا فِيهِ مَضَرَّةٌ كَشَوْكٍ وَعَوْسَجٍ؛ لِأَنَّهُ مُؤْذٍ بِطَبْعِهِ كَالسِّبَاعِ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
(وَ) يَحْرُمُ قَطْعُ (حَشِيشِ) الْحَرَمِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ووَسَلَّمَ «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا» (حَتَّى شَوْكٍ وَوَرَقٍ وَسِوَاكٍ وَنَحْوِهِ) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ.
(وَيَضْمَنُهُ) أَيْ: شَجَرَ الْحَرَمِ وَحَشِيشَهُ حَتَّى شَوْكٍ وَوَرَقٍ وَسِوَاكٍ وَنَحْوِهِ وَيَأْتِي كَيْفِيَّةُ ضَمَانِهِ (إلَّا الْيَابِسَ) مِنْ شَجَرٍ وَحَشِيشٍ وَوَرَقٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ.
(وَ) إلَّا (مَازَالَ بِفِعْلِ غَيْرِ آدَمِيٍّ) فَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ فِي الْقَطْعِ (وَ) إلَّا مَا (انْكَسَرَ) و(لَمْ يَبِنْ) فَإِنَّهُ كَظُفْرٍ مُنْكَسِرٍ.
(وَ) إلَّا (الْإِذْخِرَ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ووَسَلَّمَ «إلَّا الْإِذْخِرَ» وَهُوَ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالْهَمْزَةِ قَالَهُ فِي حَاشِيَتِهِ (وَ) إلَّا (الْكَمْأَةَ وَالنَّقْعَ)؛ لِأَنَّهُمَا لَا أَصْلَ لَهُمَا فَلَيْسَا بِشَجَرٍ وَلَا حَشِيشٍ فَائِدَةٌ: قَالَ الْقَزْوِينِيُّ فِي عَجَائِبِ الْمَخْلُوقَاتِ: الْعَرَبُ تَقُول إنَّ الْكَمْأَةَ تَبْقَى فِي الْأَرْضِ فَيُمْطَرُ عَلَيْهَا مَطَرُ الصَّيْف فَتَسْتَحِيلُ أَفَاعِي وَكَذَا أَخْبَرَ بِهَا غَيْرُ وَاحِدٍ قَالَهُ فِي حَاشِيَتِهِ (وَ) إلَّا (الثَّمَرَةَ)؛ لِأَنَّهَا تُسْتَخْلَف.
(وَ) إلَّا (مَا زَرَعَهُ آدَمِيٌّ مِنْ بَقْلٍ وَرَيَاحِينَ وَزُرُوعٍ وَشَجَرِ غُرِسَ مِنْ غَيْرِ شَجَرِ الْحَرَمِ فَيُبَاح أَخْذُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ)؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكُ الْأَصْلِ كَالْأَنْعَامِ وَالنَّهْيُ عَنْ شَجَرِ الْحَرَمِ وَهُوَ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ وَهَذَا يُضَافُ إلَى مَالِكِهِ فَلَا يَعُمُّهُ الْخَبَر.
(وَ) يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ (بِمَا انْكَسَرَ مِنْ الْأَغْصَانِ وَ) بِمَا (انْقَلَعَ مِنْ الشَّجَرِ بِغَيْرِ فِعْلِ آدَمِيٍّ) وَتَقَدَّمَ آنِفًا (وَكَذَا الْوَرَقُ السَّاقِطُ) يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ.
(وَيَجُوزُ رَعْيُ حَشِيشِ) الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ الْهَدَايَا كَانَتْ تَدْخُلُ فَتَكْثُرُ فِيهِ وَلَمْ يُنْقَلْ سَدُّ أَفْوَاهِهَا وَلِلْحَاجَةِ إلَيْهِ كَالْإِذْخِرِ.
وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي الْخِلَافُ إنْ أَدْخَلَهَا لِلرَّعْيِ فَإِنْ أَدْخَلَهَا لِحَاجَتِهِ فَلَا ضَمَانَ وَلَا يَجُوزُ (الِاحْتِشَاشُ لِلْبَهَائِمِ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ووَسَلَّمَ «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا».
(وَإِذَا قَطَعَ) الْآدَمِيُّ (مَا يَحْرُم قَطْعُهُ) مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ وَحَشِيشِهِ وَنَحْوِهِ (حَرُمَ انْتِفَاعُهُ) بِهِ (وَحَرُمَ انْتِفَاعُ غَيْرِهِ بِهِ)؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ إتْلَافِهِ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ فَإِذَا قَطَعَهُ مَنْ يَحْرُم عَلَيْهِ قَطْعُهُ لَمْ يُنْتَفَع بِهِ (كَصَيْدٍ ذَبَحَهُ مُحْرِمٌ) لَا يَحِلُّ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ (وَمَنْ قَطَعَهُ) أَيْ: شَجَرَ الْحَرَم وَحَشِيشَهُ وَنَحْوَهُ (ضَمِنَ الشَّجَرَةِ الْكَبِيرَةِ وَالْمُتَوَسِّطَةِ) عُرْفًا (بِبَقَرَةٍ وَ) ضَمِنَ (الصَّغِيرَةَ) عُرْفًا (بِشَاةٍ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «فِي الدَّوْحَةِ بَقَرَةٌ وَفِي الْجَزْلَةِ شَاةٌ» وَقَالَهُ عَطَاءٌ وَالدَّوْحَةُ الشَّجَرَةُ الْعَظِيمَةُ وَالْجَزْلَةُ الصَّغِيرَةُ.
(وَ) يَضْمَنُ (الْحَشِيشَ وَالْوَرَقَةَ بِقِيمَتِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الْقِيمَةِ وَيَفْعَلُ بِالْقِيمَةِ كَمَا سَبَقَ لِقَضَاءِ الصَّحَابَةِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ.
(وَ) يَضْمَنُ (الْغُصْنَ بِمَا نَقَصَ) أَصْلُهُ؛ لِأَنَّهُ نَقَصَ بِفِعْلِهِ فَوَجَبَ فِيهِ مَا نَقَصَهُ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى مَالِ آدَمِيٍّ فَنَقَصَهُ (وَإِنْ اسْتَخْلَفَ الْغُصْنَ وَالْحَشِيشَ سَقَطَ الضَّمَانُ) كَمَا لَوْ قُطِعَ شَعْرُ آدَمِيٍّ ثُمَّ نَبَتَ.
(وَكَذَا لَوْ رَدَّ شَجَرَةً) قَلَعَهَا مِنْ الْحَرَمِ إلَيْهِ (فَنَبَتَتْ) فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْهَا (وَيَضْمَنُ نَقْصَهَا إنْ نَبَتَتْ نَاقِصَةً) لِتَسَبُّبِهِ فِيهِ.
(وَإِنْ قَلَعَ شَجَرًا مِنْ الْحَرَمِ فَغَرَسَهُ فِي الْحِلِّ لَزِمَهُ رَدُّهُ) إلَى الْحَرَمِ لِإِزَالَةِ حُرْمَتِهَا (فَإِنْ تَعَذَّرَ) رَدُّهَا (أَوْ يَبِسَتْ) ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا (أَوْ قَلَعَهَا مِنْ الْحَرَمِ فَغَرَسَهَا فِي الْحَرَمِ فَيَبِسَتْ ضَمِنَهَا) لِمَا مَرَّ (فَإِنْ قَلَعَهَا غَيْرُهُ مِنْ الْحِلِّ بَعْدَ أَنْ غَرَسَهَا هُوَ) أَيْ: قَالِعُهَا مِنْ الْحَرَمِ (ضَمِنَهَا قَالِعُهَا) مِنْ الْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا (بِخِلَافِ مَنْ نَفَّرَ صَيْدًا فَخَرَجَ إلَى الْحِلِّ) فَقَتَلَهُ غَيْرُهُ فِيهِ (لَمْ يَضْمَنْهُ مُنَفِّرٌ وَلَا قَاتِلٌ) لِتَفْوِيتِهِ حُرْمَتَهُ بِإِخْرَاجِهِ وَالْفَرْقُ: أَنَّ الشَّجَرَ لَا يَنْتَقِلُ بِنَفْسِهِ وَلَا تَزُولُ حُرْمَتُهُ بِإِخْرَاجِهِ وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَى مُخْرِجِهِ رَدُّهُ فَكَانَ جَزَاؤُهُ عَلَى مُتْلِفِهِ وَالصَّيْدُ تَارَةً يَكُونُ فِي الْحَرَمِ وَمَرَّةً فِي الْحِلِّ فَمَنْ نَفَّرَهُ فَقَدْ فَوَّتَ حُرْمَتَهُ بِإِخْرَاجِهِ فَلَزِمَهُ جَزَاؤُهُ.
(وَيُخَيَّرُ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ جَزَاءُ شَجَرِ الْحَرَمِ وَحَشِيشِهِ وَصَيْدِهِ (بَيْنَ الْجَزَاءِ) أَيْ: ذَبْحِهِ وَعَطَائِهِ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ إنْ كَانَ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ (وَبَيْنَ تَقْوِيمِهِ وَيَفْعَلُ بِثَمَنِهِ) أَيْ: قِيمَتِهِ (كَجَزَاءِ صَيْدِ) الْإِحْرَامِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ طَعَامًا فَيُطْعِمَهُ لِلْمَسَاكِينِ كُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ بُرٍّ أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ كَقِيمَةِ الْحَشِيشِ يُتَخَيَّرُ فِيهَا كَجَزَاءِ صَيْدٍ لَا مِثْلَ لَهُ عَلَى مَا سَبَقَ.
(وَإِنْ قَطَعَ غُصْنًا فِي الْحِلِّ أَصْلُهُ أَوْ بَعْضُهُ فِي الْحَرَمِ ضَمِنَهُ)؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأَصْلِهِ وَتَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ كَالصَّيْدِ وَ(لَا) يَضْمَنُ الْغُصْنَ (إنْ قَطَعَهُ فِي الْحَرَمِ وَأَصْلُهُ كُلُّهُ فِي الْحِلِّ) لِتَبَعِيَّتِهِ لِأَصْلِهِ.
(قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ لَا يَخْرُجُ مِنْ تُرَابِ الْحَرَمِ وَلَا يَدْخَلُ إلَيْهِ مِنْ الْحِلِّ) كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ (وَلَا يَخْرُجُ مِنْ حِجَارَةِ مَكَّةَ إلَى الْحِلِّ وَالْخُرُوجُ أَشَدُّ يَعْنِي فِي الْكَرَاهَةِ) وَاقْتُصِرَ فِي الشَّرْحِ عَلَى الْكَرَاهَةِ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ إخْرَاجُهُ إلَى الْحِلِّ وَفِي إدْخَالِهِ فِي الْحَرَمِ رِوَايَتَانِ.
وَفِي الْفُصُولِ يُكْرَهُ فِي تُرَابِ الْمَسْجِدِ كَتُرَابِ الْحَرَمِ وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ فِي تُرَابِ الْمَسْجِدِ انْتِفَاعًا بِالْمَوْقُوفِ فِي غَيْرِ جِهَتِهِ وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُسْتَشْفَى بِطِيبِ الْكَعْبَةِ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا وَيَلْزَقُ عَلَيْهَا طِيبًا مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ يَأْخُذُهُ قَالَ فِي الْمُنْتَهَى: لَا وَضْعَ الْحَصَا فِي الْمَسَاجِدِ أَيْ: لَا يُكْرَهُ وَيَحْرُمُ إخْرَاجُ تُرَابِهَا وَطِيبِهَا.
(وَلَا يُكْرَهُ إخْرَاجُ مَاءِ زَمْزَمَ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَخْلَفُ فَهُوَ كَالثَّمَرَةِ) قَالَ أَحْمَدُ أَخْرَجَهُ كَعْبٌ ا هـ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهَا كَانَتْ تَحْمِلُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَتُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْمِلُهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
(وَمَكَّةُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ ابْنِ الْحَمْرَاءِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْحَزْوَرَةِ فِي سُوقِ مَكَّةَ «وَاَللَّهِ إنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلِمُضَاعَفَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ أَكْثَرُ وَأَمَّا حَدِيثُ «الْمَدِينَةُ خَيْرٌ مِنْ مَكَّةَ» فَلَمْ يَصِحَّ وَعَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا قَبْلَ الْفَتْحِ وَنَحْوُهُ: حَدِيثُ «اللَّهُمَّ إنَّهُمْ أَخْرَجُونِي مِنْ أَحَبِّ الْبِقَاعِ إلَيَّ فَأَسْكِنِّي فِي أَحَبِّ الْبِقَاعِ إلَيْكَ» يُرَدُّ أَيْضًا: بِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَمَعْنَاهُ: أَحَبُّ الْبِقَاعِ إلَيْك بَعْدَ مَكَّةَ (وَتُسْتَحَبُّ الْمُجَاوَرَةُ بِهَا) أَيْ: بِمَكَّةَ لِمَا سَبَقَ مِنْ أَفْضَلِيَّتِهَا وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ بِأَنَّ مَكَّةَ أَفْضَلُ، وَأَنَّ الْمُجَاوَرَةَ بِالْمَدِينَةِ أَفْضَلُ وَذَكَرَ قَوْلَ أَحْمَدَ الْمُقَامُ بِالْمَدِينَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْمُقَامِ بِمَكَّةَ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مَهَاجِرُ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَصْبِرُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا إلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَسَعْدٍ وَفِيهِنَّ «أَوْ شَهِيدًا» وَتُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ وَالسَّيِّئَةُ بِمَكَانٍ وَزَمَانٍ فَاضِلَيْنِ (وَلِمَنْ هَاجَرَ مِنْهَا) أَيْ: مَكَّةَ (الْمُجَاوَرَةُ بِهَا) كَغَيْرِهِ.
(وَمَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْ) نَبِيّنَا (مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْبَرَاهِينُ (وَأَمَّا نَفْسُ تُرَابِ تُرْبَتِهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَيْسَ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْكَعْبَةِ بَلْ الْكَعْبَةُ أَفْضَلُ مِنْهُ) قَالَ فِي الْفُنُونِ: الْكَعْبَةُ أَفْضَلُ مِنْ مُجَرَّدِ الْحُجْرَةِ فَأَمَّا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَلَا وَاَللَّهِ وَلَا الْعَرْشُ وَحَمَلَتُهُ وَالْجَنَّةُ؛ لِأَنَّ بِالْحُجْرَةِ جَسَدًا لَوْ وُزِنَ بِهِ لَرَجَحَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ كَلَامُ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ التُّرْبَةَ عَلَى الْخِلَافِ (وَلَا يُعْرَفُ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَضَّلَ تُرَابَ الْقَبْرِ عَلَى الْكَعْبَةِ إلَّا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَلَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ إلَيْهِ وَلَا وَافَقَهُ أَحَدٌ قَطُّ عَلَيْهِ) هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَقَالَ الْمُجَاوَرَةُ بِمَكَانٍ يَكْثُرُ فِيهِ إيمَانُهُ وَتَقْوَاهُ أَفْضَلُ حَيْثُ كَانَ.
(وَحَدُّ الْحَرَمِ) الْمَكِّيِّ (مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ عِنْدَ بُيُوتِ السُّقْيَا) وَيُقَالُ لَهَا: بُيُوتُ نِفَارٍ بِكَسْرِ النُّون وَبِالْفَاءِ وَهِيَ دُونَ التَّنْعِيمِ وَيُعْرَفُ الْآنَ بِمَسَاجِدِ عَائِشَةَ.
(وَ) حَدُّهُ (مِنْ) طَرِيقِ (الْيَمَنِ سَبْعَةُ) أَمْيَالٍ (عِنْدَ أَضَاةِ لِبْنٍ) أَمَّا أَضَاةُ فَبِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ بِوَزْنِ قَتَاةٍ وَأَمَّا لِبْنُ فَبِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ ا هـ.
وَفِي الْهِدَايَةِ: عِنْدَ إضَاحَةِ لِبْنٍ (وَ) حَدُّهُ (مِنْ) طَرِيقِ (الْعِرَاقِ كَذَلِكَ) أَيْ: سَبْعَةِ أَمْيَالٍ (عَلَى ثَنِيَّةِ خَلٍّ) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَلَامٍ مُشَدَّدَةٍ هَكَذَا فِي ضَبْطِ الْمُصَنِّفِ بِالْقَلَمِ.
وَفِي الْمُنْتَهَى وَالْمُبْدِعِ وَغَيْرِهِمَا رِجْلٌ أَيْ: بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ (وَهُوَ جَبَلٌ بِالْمَقْطَعِ) بِقَافٍ سَاكِنَةٍ وَطَاءٍ مَفْتُوحَةٍ هَكَذَا ضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْقَلَمِ وَعِبَارَةُ الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ بِالْمُنْقَطِعِ.
(وَمِنْ الْجِعْرَانَةِ) بِسُكُونِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ (تِسْعَةَ أَمْيَالٍ فِي شِعْبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ وَ) حَدُّهُ (مِنْ) طَرِيقِ (جَدَّةَ عَشْرَةُ أَمْيَالٍ عِنْدَ مُنْقَطَعِ الْأَعْشَاشِ) أَيْ: مُنْتَهَى طَرَفُهَا جَمْعُ عُشٍّ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ.
(وَ) حَدُّهُ (مِنْ) طَرِيقِ (الطَّائِفِ عَلَى عَرَفَاتٍ مِنْ بَطْنِ نَمِرَةَ سَبْعَةُ) أَمْيَالٍ (عِنْدَ طَرْفِ عُرَنَةَ وَ) حَدُّهُ (مِنْ بَطْنِ عُرَنَةَ أَحَدَ عَشَرَ مِيلًا).

.(فَصْلٌ): تَحْرِيم صَيْدِ الْمَدِينَةِ:

(وَيَحْرُمُ صَيْدُ الْمَدِينَةِ) لِحَدِيثِ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا «إنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهَا، أَوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْمَدِينَةُ مِنْ الدِّينِ بِمَعْنَى الطَّاعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُقَامَ بِهَا طَاعَةٌ أَوْ بِمَعْنَى الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهَا دِينُ أَهْلِهَا أَيْ: مِلْكُهُمْ يُقَالُ: فُلَانٌ فِي دِينِ فُلَانٍ أَيْ: فِي مِلْكِهِ وَطَاعَتِهِ وَتُسَمَّى أَيْضًا: طَابَةٌ وَطَيْبَةُ (وَالْأَوْلَى: أَنْ لَا تُسَمَّى بِيَثْرِبَ)؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيَّرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّثْرِيبِ وَهُوَ التَّعْيِيرُ وَالِاسْتِقْصَاءُ فِي اللَّوْمِ وَمَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ حِكَايَةٌ لِمَقَالَةِ الْمُنَافِقِينَ وَيَثْرِبُ فِي الْأَصْلِ: اسْمُ رَجُلٍ مِنْ الْعَمَالِقَةِ بَنَى الْمَدِينَةَ فَسُمِّيَتْ بِهِ وَقِيلَ: يَثْرِبُ اسْمِ أَرْضِهَا ذَكَرَهُ فِي حَاشِيَتِهِ.
(فَلَوْ صَادَ) مِنْ حَرَمِ الْمَدِينَةِ (وَذَبَحَ) صَيْدَهَا (صَحَّتْ تَذْكِيَتُهُ) قَالَ الْقَاضِي تَحْرِيمُ صَيْدِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ ذَكَاتُهُ وَإِنْ قُلْنَا: تَصِحُّ؛ فَلِعَدَمِ تَأْثِيرِ هَذِهِ الْحُرْمَةِ فِي زَوَالِ مِلْكِ الصَّيْدِ نَصَّ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الصِّحَّةِ احْتِمَالَيْنِ.
(وَيَحْرُمُ قَطْعُ شَجَرِهَا) أَيْ: الْمَدِينَةِ (وَحَشِيشِهَا) لِمَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ كَذَا إلَى كَذَا لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِمُسْلِمٍ «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ».
(وَيَجُوزُ أَخْذُ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ مِنْ شَجَرِهَا لِلرَّحْلِ) أَيْ: رَحْلِ الْبَعِيرِ وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْ الْقَتَبِ (وَالْقَتَبُ وَعَوَارِضُهُ وَآلَةُ الْحَرْثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَآلَةِ الدَّيَّاسِ وَالْجَذَّاذِ وَالْحَصَّادِ (وَالْعَارِضَةِ لِسَقْفِ الْمَحْمَلِ وَالْمُسَانَدِ مِنْ الْقَائِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تُنْصَبُ الْبَكَرَةُ عَلَيْهِمَا وَالْعَارِضَةُ بَيْنَ الْقَائِمَتَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَعُودِ الْبَكَرَةِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَرَّمَ الْمَدِينَةَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا أَصْحَابُ عَمَلٍ وَأَصْحَابُ نُضَحٍ وَإِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَرْضًا غَيْرَ أَرْضِنَا فَرَخِّصْ لَنَا فَقَالَ: الْقَائِمَتَانِ وَالْوِسَادَةُ وَالْعَارِضَةُ وَالْمُسْنَدُ فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا يُعْضَدُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ فَاسْتَثْنَى الشَّارِح ذَلِكَ وَجَعَلَهُ مُبَاحًا وَالْمُسْنَدُ: عُودُ الْبَكَرَةِ (وَ) يَجُوز أَخْذُ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ (مِنْ حَشِيشِهَا لِلْعَلَفِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقْطَعَ مِنْهَا شَجَرَةٌ إلَّا أَنْ يَعْلِفَ رَجُلٌ بَعِيرَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ وَلِأَنَّ الْمَدِينَةَ يَقْرُبُ مِنْهَا شَجَرٌ وَزَرْعٌ فَلَوْ مُنِعْنَا مِنْ احْتِشَاشِهَا أَفْضَى إلَى الضَّرَرِ بِخِلَافِ مَكَّةَ.
(وَمَنْ أَدْخَلَ إلَيْهَا صَيْدًا فَلَهُ إمْسَاكُهُ وَذَبْحُهُ) نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِ أَنَسٍ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاس خُلُقًا وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ قَالَ أَحْسَبُهُ فَطِيمًا وَكَانَ إذَا جَاءَ قَالَ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ طَائِرٌ صَغِيرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَلَا جَزَاءَ فِي صَيْدِهَا) وَشَجَرِهَا (وَحَشِيشِهَا) قَالَ فِي الْمُنْتَهَى: وَلَا جَزَاءَ فِيمَا حُرِّمَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ حَكَمُوا فِيهِ بِجَزَاءٍ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ دُخُولُ حَرَمِهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَلَا تَصْلُحُ لِأَدَاءِ النُّسُكِ وَلَا لِذَبْحِ الْهَدَايَا فَكَانَتْ كَغَيْرِهَا مِنْ الْبُلْدَانِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُرْمَةِ الضَّمَانُ وَلَا لِعَدَمِهَا عَدَمُهُ.
(وَحَدُّ حَرَمِهَا: مَا بَيْنَ ثَوْرٍ إلَى عَيْرٍ) لِحَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا «حَرَمُ الْمَدِينَةِ مَا بَيْنَ ثَوْرٍ إلَى عَيْرٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَهُوَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا) لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاللَّابَةُ الْحَرَّةُ وَهِيَ أَرْضٌ تَرْكَبُهَا حِجَارَةٌ سُودٌ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي: رِوَايَةُ «مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا» أَرْجَحُ لَنَا لِتَوَارُدِ الرُّوَاةِ عَلَيْهَا وَرِوَايَة «جَبَلَيْهَا» لَا تُنَافِيهَا فَيَكُونُ عِنْدَ كُلِّ جَبَلٍ لَابَةٌ أَوْ لَابَتَيْهَا مِنْ جِهَة الْجَنُوب وَالشِّمَال وَجَبَلَيْهَا مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَعَاكَسَهُ فِي الْمَطْلَعِ.
(وَقَدْرُهُ بَرِيدٌ فِي بَرِيدٍ نَصًّا) قَالَ أَحْمَدُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ بَرِيدٌ فِي بَرِيدٍ كَذَا فَسَّرَهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ (وَهُمَا) أَيْ: ثَوْرٌ وَعَيْرٌ (جَبَلَانِ بِالْمَدِينَةِ فَثَوْرٌ) أَنْكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَاعْتَقَدُوا أَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ بَعْضِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِمْ إيَّاهُ.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ (جَبَلٌ صَغِيرٌ) لَوْنُهُ يَضْرِبُ (إلَى الْحُمْرَةِ بِتَدْوِيرٍ) لَيْسَ بِمُسْتَطِيلٍ (خَلْفَ أُحُدٍ مِنْ جِهَةِ الشَّمَالِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي نَقْلًا عَنْ شَيْخِهِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حُسَيْنٍ الْمَرَاغِيِّ: أَنَّ خَلَفَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَنْقُلُونَ عَنْ سَلَفِهِمْ أَنَّ خَلْفَ أُحُدٍ مِنْ جِهَةِ الشَّمَالِ جَبَلًا صَغِيرًا إلَى الْحُمْرَةِ بِتَدْوِيرٍ يُسَمَّى ثَوْرًا قَالَ وَقَدْ تَحَقَّقْتُهُ بِالْمُشَاهَدَةِ (وَعَيْرٌ) جَبَلٌ (مَشْهُورٌ بِهَا) أَيْ: بِالْمَدِينَةِ قَالَ فِي الْمَطْلَعِ: وَقَدْ أَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ «وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا حِمًى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
(وَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحِلِّ صَيْدُ وَجٍّ وَشَجَرِهِ) وَحَشِيشِهِ.
(وَهُوَ وَادٍ بِالطَّائِفِ) كَغَيْرِهِ مِنْ الْحِلِّ أَمَّا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا «إنَّ صَيْدَ وَجٍّ وَعِضَاهَهُ حَرَمٌ» مَحْرَمٌ لِلَّهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِهِ الطَّائِفَ وَحِصَارِهِ ثَقِيفًا فَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدٌ لَيْسَ بِقَوِيٍّ فِي حَدِيثِهِ نَظَرٌ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ وَالْأَزْدِيُّ: لَمْ يَصِحَّ حَدِيثُهُ وَحَمَلَ الْقَاضِي ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ.